أبناؤنا
الضغوط النفسية الاجتماعية وقلق الامتحان
الدكتور حسان المالح
استشاري الطب النفسي
يعتبر القلق من الامتحانات من المشكلات النفسية الشائعة .. وفيه يعاني الطالب من التوتر النفسي والإحساس بالخطر الوشيك ..ويختلف الأشخاص في تعاملهم مع هذا القلق .. وبعضهم يتكيف معه بشكل إيجابي كأن ينظم أوقاته وينكب على دراسته وحفظه ويسيطر على الأفكار السلبية التي تراوده " قدر الإمكان "حول أدائه في الامتحان وحول النتيجة والمستقبل. والحقيقة " إن قليلاً من الخوف والقلق لا بأس فيه " .. لأنه طبيعي .. والقلق الطبيعي ينشط الجهود الإيجابية للإنسان كي يتعامل مع الأمور الهامة والصعبة ومن ثم السيطرة عليها والنجاح فيها .
وبعضهم يغلبه القلق ويبقى باستمرار متوتراً عصبياً قليل النوم والأكل كثير الشرود والشكاوى وتتناقص إنتاجيته وأداؤه.. ومن الأعراض المرضية الشائعة في هذه الحالات.. الصداع ونقص الشهية وآلام البطن والإسهال المتكرر والغثيان والإقياء .. إضافة للدوخة والدوار والإحساس بعدم التوازن أحياناً أو بشكل متكرر.. وخفقان القلب وآلام الصدر . وهناك أعراض أخرى مثل الآلام العضلية المتنوعة والشعور بالتعب والإعياء وغير ذلك ..وأما الأعراض النفسية الصريحة فهي الترقب والخوف وتوقع الفشل والرسوب وصعوبات النوم والأحلام المزعجة والكوابيس ، إضافة للعصبية والنرفزة والتوتر ونقص التركيز والمثابرة وغير ذلك .. وكل ذلك من أعراض القلق المؤقت والعابر.. ولكنه يستدعي العلاج والدعم النفسي والاستشارة النفسية إذا كان شديداً ومستمراً ومعطلاً ..
ويرتبط القلق من الامتحان بتكوين الشخصية وحساسيتها وقيمها وتاريخها وثقتها بنفسها وقدرتها على التنافس وإثبات الذات.. والشخصيات المتوازنة تتعامل بشكل ناجح مع القلق ، بينما تضطرب الشخصيات النرجسية ، أو المدللة غير الناضجة، أوالخيالية في طموحها .
وأيضاً يرتبط القلق بالظروف الشخصية والأسرية والضغوط التي يتعرض لها الطالب من الأهل ومن المجتمع الكبير.. والتخويف الشديد من قبل الأهل يعتبر ضغطاً إضافياً على الأعصاب وعلى تحمل أزمة الامتحان ..وكذلك جو الاستنفار في المنزل وقلق الأهل الواضح وتضخيمهم للمخاطر المرتبطة بالامتحان والحديث عنه طول الوقت . مما يتطلب مراجعة الأهل لأساليبهم وتعديل الأفكار الخاطئة المقلقة والمخيفة وتبني أفكاراً صحية وعملية وواقعية .. وأن يأخذ الطالب بأسباب النجاح من حيث بذل الجهد في الحفظ والاستذكار والدراسة وبشكل مناسب دون إفراط أو تفريط .
كما أن طبيعة الامتحان نفسه وتفاصيله لها دور واضح في زيادة الضغوط ونسبة القلق والخوف والتوتر ..والاختبارات الحاسمة والتي تحدد مستقبل الطالب المهني والحياتي مثل امتحان الثانوية العامة ترتبط بكمية أكبر من القلق .. وكلما زاد الغموض والعشوائية المرتبطة بالامتحان ونتائجه وكيفيته وتفاصيله كلما كان القلق أشد ..مما يطرح أهمية القيام بالتدريب والتعرف على الامتحان وأسلوبه وأسئلته بشكل كاف وصحيح ، وأيضاً يطرح أهمية التواصل بين الهيئات المسؤولة عن إعداد الامتحانات وتحضيرها وإجرائها، وبين الطلبة .
والامتحان ليس حلبة صراع مستحيل ضحيته الطالب المعذب العاجز.. حين يؤكد الامتحان على جهله ونقصه وضعفه ، بل هو مقياس منطقي للتحصيل والمعرفة المفيدة والتقييم الدراسي والذي يهدف إلى إعطاء كل ذي حق حقه. ولابد من تطوير الامتحانات باستمرار وتعديل ضغوطها بما يتناسب مع الحاجات الواقعية والتطورية للمجتمع وأجياله .. ومع الصحة النفسية للجميع .
وأخيراً ..لابد من التأكيد على ضرورة الاهتمام بجيل الطلبة في مختلف أعمارهم .. من خلال تخفيف الضغوط عليهم وتقديم العون اللازم لهم النفسي والعملي والواقعي ، وتوفير الفرص المناسبة لمستقبلهم الدراسي والمهني لمختلف مستوياتهم، وإعدادهم بشكل متوازن لمواجهة مراحل الحياة المختلفة بقوة وعزم وصبر وجد ومثابرة ..
ولابد من التأكيد على ضرورة التعرف على خبرات الحياة المتنوعة والمواقف الصعبة و"الاستفادة من الفشل " في حال الرسوب أو الحصول على درجات متدنية في الامتحانات ، واعتبار ذلك فرصة حقيقة للتطور والتقدم والمراجعة لتنمية القدرات وتعديل الأخطاء والمضي نحو الأفضل دائماً .